قال فبينا أنا جالس في نادي قومي إذ أقبل رجل منا ، حتى وقف علينا ، فقال والله لقد رأيت ركبة ثلاثة مروا علي آنفا ، إني لأراهم محمدا وأصحابه قال فأومأت إليه بعيني : أن اسكت ثم قلت : قليلا ، إنما هم بنو فلان يبتغون ضالة لهم قال لعله ثم سكت . قال ثم مكثت ثم قمت فدخلت بيتي ، ثم أمرت بفرسي ، فقيد لي إلى
بطن الوادي ، وأمرت بسلاحي ، فأخرج لي من دبر حجرتي ، ثم أخذت قداحي التي أستقسم بها ، ثم انطلقت ، فلبست لامتي ثم أخرجت قداحي ، فاستقسمت بها ; فخرج السهم الذي أكره " لا يضره " قال وكنت أرجو أن أرده على
قريش ، فآخذ المائة الناقة . قال فركبت على أثره فبينما فرسي يشتد بي
عثر بي ، فسقطت عنه .
قال فقلت : ما هذا ؟ قال ثم أخرجت قداحي فاستقسمت بها فخرج السهم الذي أكره " لا يضره " . قال فأبيت إلا أن أتبعه . قال فركبت في أثره فبينا فرسي يشتد بي ،
عثر بي ، فسقطت عنه . قال فقلت : ما هذا ؟ ، قال ثم أخرجت قداحي فاستقسمت بها فخرج السهم الذي أكره " لا يضره " قال فأبيت إلا أن أتبعه فركبت في أثره . فلما بدا لي القوم ورأيتهم
عثر بي فرسي ، فذهبت يداه في الأرض وسقطت عنه ثم انتزع يديه من الأرض وتبعهما دخان كالإعصار .
قال فعرفت حين رأيت ذلك أنه قد منع مني ، وأنه ظاهر . قال فناديت القوم فقلت : أنا
سراقة بن جعشم : أنظروني أكلمكم فوالله لا أريبكم ولا يأتيكم معي شيء تكرهونه . قال فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم
لأبي بكر :
قل له وما تبتغي منا
؟ قال فقال ذلك
أبو بكر ، قال قلت : تكتب لي كتابا يكون آية بيني وبينك . قال
اكتب له يا أبا بكر
فكتب لي كتابا في عظم أو في رقعة أو في خزفة ثم ألقاه إلي فأخذته ، فجعلته في كنانتي ، ثم رجعت ، فسكت فلم أذكر شيئا مما كان حتى إذا فتحت
مكة على رسول الله صلى الله عليه وسلم وفرغ من
حنين والطائف ، خرجت ومعي الكتاب لألقاه فلقيته
بالجعرانة .
قال فدخلت في كتيبة من خيل
الأنصار . قال فجعلوا يقرعونني بالرماح ويقولون إليك إليك ، ماذا تريد ؟ قال فدنوت من رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على ناقته والله لكأني أنظر إلى ساقه في غرزه كأنها جمارة . قال فرفعت يدي بالكتاب ثم قلت يا رسول الله هذا كتابك لي ، أنا سراقة بن جعشم قال فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم
يوم وفاء وبر ادنه
قال فدنوت منه فأسلم .
ثم تذكرت شيئا أسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فما أذكره إلا أني قلت : يا رسول الله الضالة من الإبل تغشى حياضي ، وقد ملأتها لإبلي ، هل لي من أجر في أن أسقيها ؟ قال
نعم في كل ذات كبد رطبة أجر
. قال ثم رجعت إلى قومي ، فسقت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صدقتي .
قال
ابن هشام : عبد الرحمن بن الحارث بن مالك بن جعشم .
ثم المدلجي
أحد بني مدلج بن مرة بن تميم بن عبد مناة بن كنانة . وقد ذكر
ابن إسحاق حديثه حين بذلت
قريش مائة ناقة لمن رد عليهم محمدا عليه السلام وأن سراقة استقسم بالأزلام فخرج السهم الذي يكره وهو الذي كان فيه مكتوبا لا تضره إلى آخر القصة وأن قوائم فرسه حين قرب من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ساخت في الأرض وتبعها عثان وهو الدخان وجمعه عواثن . وذكر غير
ابن إسحاق أن
أبا جهل لامه حين رجع بلا شيء فقال وكان شاعرا
أبا حكم والله لو كنت شاهدا |
| لأمر جوادي إذ تسوخ قوائمه |
علمت ولم تشكك بأن محمدا |
| رسول ببرهان فمن ذا يقاومه ؟ |
عليك بكف القوم عنه فإنني |
| أرى أمره يوما ستبدو معالمه |
بأمر يود الناس فيه بأسرهم |
| بأن جميع الناس طرا يسالمه |
وقد قدمنا في هذا الكتاب عند ذكر
كسرى ما فعله
عمر بن الخطاب حين أتي بتاج
كسرى ، وسواريه ومنطقته وأنه دعا
بسراقة ، وكان أزب الذراعين فحلاه
حلية كسرى ، وقال له ارفع يديك ، وقل الحمد لله الذي سلب هذا كسرى الملك الذي كان يزعم أنه رب الناس وكساها أعرابيا من
بني مدلج . فقال ذلك سراقة
وإنما فعلها
عمر لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان قد بشر بها سراقة حين
أسلم ، وأخبره أن الله سيفتح عليه بلاد
فارس ، ويغنمه ملك كسرى ، فاستبعد ذلك سراقة في نفسه وقال أكسرى ملك الملوك ؟ فأخبره النبي - صلى الله عليه وسلم - أن حليته ستجعل عليه تحقيقا للوعد وإن كان أعرابيا بوالا على عقبيه ولكن الله يعز بالإسلام أهله ويسبغ على محمد وأمته نعمته وفضله .